إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُ الجمال:

الى روح الشهيد جمال عزيز محمد رحيم

 

عبد الستار نورعلي

 

 

"الحب الحقيقي ما يتنسيش طول السنين

الحبْ الحقيقي ما ينتهيشْ ولا الحنينْ"

 

 

كنتَ تحبُ شاديه

رقيقةً شفافةً مغنيه

مناديه

بحبها الحقيقي والدافئ والمشرقِ

في القلوبِ الصافيه

تسوقه عواطفٌ بينَ النجومَ ساميه.

 

جلستَ قربَ النهرِ جنبي،

كنا بضعةً منْ حالمينَ هائمينْ

وبينَ أقداحِ نبيذِ الحبِ كنا طائرينْ

في ذلكَ العالم صوتِ الطيبينْ،

فقلتَ لي:

غنِ لنا أغنيةً لشاديه!

غنيتُ عن حبٍ حقيقيٍّ رصينْ

وعنْ حنينْ.

أملتَ نحوي الرأسَ بالنشوةِ مسحوراً،

وغبتَ عنا ....

في فضاءٍ لازوردي حزينْ

وبينَ عينيكَ شعاعٌ مارقٌ

منطلقٌ

محلِّقٌ

على صدى الكؤوسِ والرنينْ.

 

وحينَ أنهيتُ الغناءَ والكلامْ

رأيتُ في عينيكَ طيفاً منْ حمامْ

يسري على دجلةَ،

يجري

نحو أفقٍ غائمٍ،

أشرتُ لكْ

ومنْ بعيدْ

حدَّقتَ في عينيَ ثمَ ذبتَ

في البعيدْ .......

 

أملتَ نحوي الرأسَ،

كنتَ هائماً

كأنك الطائرُُ في المنامْ

طرقتُ بابكَ المُصاغَ من مملكةِ الأحلامْ:

ـ قلْ لي إلى أينَ ذهبتْ؟

وأينَ يا عاشقُ قد وصلتْ؟

لكنك ارتعشتَ كالموجودِ في تكيةِ العشاقْ:

ـ ماذا تقولْ؟

ضحكْتُ ملءَ الكأس مقروعاً بكأسْ!

حتى توسلتَ أغني مرةً أخرى،

فغنينا معاً:

" الحب الحقيقي ما يتنسيش طول السنينْ

الحب الحقيقي ما ينتهيش ولا الحنينْ..."

فغابتِ الدنيا لديكْ

وغامتِ الأرضُ عليكْ.

 

وجاءَ يومٌ عاصفٌ

أيامَ غزواتِ المغولْ

فشابتِ الولدانُ والعقولْ

في أرض وادي الرافدينْ

فغبتَ عنا

أنتَ والآلافُ من شبابنا الغرِّ الغيورْ...

وأينَ؟!

لا نعرفُ أينْ!

 

ومرت السنينُ ... والسنينُ... والسنينْ

والحبُ لايزالُ في القلوبِ محفوظاً متينْ

مايتنسيشْ

ماينتهيشْ

طول السنينْ

مازالتِ الصدورُ بالحنين عامره

والعينُ ما انفكتْ الى البعيد ناظره

تنتظرُ القاماتِ والوجوهَ تلكَ الناضره

فتياننا والفتياتِ الخافراتِ الطاهره

خلفَ السجونِ والحصون القاهره

بينَ أيادٍ منْ ذئابٍ غادره

ومنْ وحوشِ كاسره

موغلةً في غيها وسادره

وبالمذابح شاطره

أخفتْ وجوهَ الأنجمِ العالية المنوَّره

في مقبراتٍ خافياتٍ حاشداتٍ بالكبار بالصغارِ هادره

تدعو إلى ثأرٍ مبينٍ ونفوسٍ ثائره

لا ترتضي المناوره

أو تتبعُ المداوره.

 

 *   *   *   *

 

إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالْ

الأرضَ

النهرَ

البحرَ

الشجرَ

الزهرَ

البشرَ

الطيرَ

الأكلَ

الشربَ

الحبَ

الرزقَ

العملَ

السكنَ

الولدَ

الأمَ

وحقوقَ الناسْ

 

إنَّ اللهَ جميلٌ

حرَّمَ كلَ دميمْ

البغضَ

الظلمَ

القتلَ

الحربَ

الغزوَ

اللصَ

الغصبَ

الكذبَ

الغشَ

الزورَ

القلبَ البورَ

السلطانَ الجائرَ

والسجانَ العاهرَ

وأكلَ حقوقِ الناسْ.

 

كانَ جمالُ جميلاً

في قاربِ حبٍ يتأرجحُ .....

بينَ النورِ وبينَ البحرِ الهائجِ في قلبهْ

والحلمِ النائمِ

في عينيهِ

والأملِ الهائمِ

في روحهْ

والموجِ الهادرِ في شارعِ فلسطينَ

يومَ انشقتْ تلكَ الأرضُ

عنْ تنينٍ يزحفُ

منْ أغوارِ الصحراءِ المرسومةِ

بمدادِ الموتْ.

 

كانَ جمالُ رقيقاً ورطيباً

رقةَ نسمة ليلٍ صيفيٍ.

والبدرُ الكاملُ يحتضنُ

ذاكَ الوجهَ الضاحكَ دوماً

منْ كلِ القلبِ.

 

هلْ أحصى شارعُ فلسطينَ

في بغدادِ الموتِ

نبضاتِ القلبِ

وحلوَ الصوتِ

خطواتِ الريحِ الهابةِ

من عرباتِ العشقْ؟

 

هلْ يعرفُ شارعُنا المهجورُ  المغدورُ

أينَ جمالُ اليومَ؟

 

في تلكَ الحانةِ عندَ ضفافِ النهر

الملأى بوجوهٍ وشفاهٍ تحكي

قصةَ هذيانِ الأيامِ

ضحكاتِ الروحِ

وأحاديثَ هموم البسطاءْ

طفلٌ مرَّ على الدربِ

من ينبوعِ الأرضِ الغافيةِ

الغافلةِ

الحالمةِ

لا تدري الساعةُ آتيةٌ، لا ريبَ؟!

 

عيناكَ، جمالُ،  تقولانِ:

كلُ العالمِ في زاويةِ من قلبي.

فالحبُّ كؤوسٌ مترعةٌ

مثلَ نبيذٍ في روحي.

 

كنتَ الصوتَ

كنتَ المطرَ

كنتَ الحبَ

كنتَ السهرَ

كنتَ القلبَ

كنتَ البصرَ

كنتَ الأشياءَ الطارقةَ

في كوةِ أحلامِ الطيرْ

كنتَ كنوزَ الدنيا

باسمِ جمالٍ.

 

إنَّ اللهَ جميلٌ يخلقُ كلَ جمالْ،

وجمالٌ منْ خلقِ اللهْ

في مقبرةٍ

لا نعرفُ أينْ...!

 

 

* جمال عزيز محمد رحيم: هو أحد شهداء شباب الكرد الفيليين الذين احتجزوا في حملة التهجير في العراق سنة 1980 وتمت تصفيتهم من قبل النظام الفاشي السابق.

 

الثلاثاء 12 أغسطس 2008 

 

 

Back