قضية الكورد الفيليين
ووسائل الإعلام العراقية
عبد الستار نورعلي
27 / 1 / 2009
بعد طول انتظار وترقب وتلهف ومطالبات بدأت
اليوم الاثنين 26 يناير 2009 محاكمة المتهمين بما جرى للكورد الفيليين في
ثمانينات القرن المنصرم ومنذ انطلاق الحرب العراقية الايرانية 1980 وقبلها
وبعدها...
إن ما اقترفه هؤلاء وغيرهم من كبار وصغار أزلام النظام السابق بحق الكورد
الفيليين تعتبر جريمة بحق الانسانية حيث لم تكتفِ هذه الرموز المتوحشة بعملية
تهجير مئات الألوف من الكورد الفيليين بتلك الطريقة البشعة اللاانسانية
واللاشرعية واللاقانونية وما قاموا به من مصادرة ممتلكاتهم وأموالهم وأوراقهم
ووثائقهم الرسمية من هوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقيتين، وحتى
الوثائق المدرسية ممن كان طالباً منهم، لم يكتفوا برميهم على الحدود
الايرانية مجردين من كل شيء حتى من ملابسهم الخاصة التي استطاع البعض ولحق
أنْ يصحبها معه، ثم ألقوهم بين الجبال والوديان وأوار الحرب بين العراق
وايران على أشدها، وسط الألغام وقذائف المدفعية المتبادلة بين الجيشين
المتحاربين بحيث انفجرت ببعضهم لتمزقهم أشلاءَ وشظايا، لم يكتفِ هؤلاء
المجرمون بذلك بل حجزوا شبابهم في السجون حتى ضاع أثرهم الى اليوم في المقابر
الجماعية دون ذنب اقترفوه أو جريمة ارتكبوها.
ولا حاجة بنا لاعادة أسباب تهجيرهم التي أضحت جليةً واضحةً وضوح الشمس،
ودليلاً دامغاً على شوفينية وطائفية وبطش النظام الساقط.
هاهم مقترفو تلك الجريمة اللاإنسانية البشعة يقفون أمام القضاء ليدفعوا ثمن
ما اقترفوه بحق أناس عراقيين أصلاء وطنيين أكثر وطنية من أكبر رأس فيهم
يدعيها كذباً وبهتاناً وزورا وهو مجرد من أي حس وطني أو انساني. هاهم شهداؤنا
في قبورهم المجهولة يرفعون رؤوسهم عالياً وتستقر نفوسهم البريئة الطاهرة،
ليرتاحوا في لحودهم التي لا نعرف اين هي وكيف تمت تصفيتهم بوحشية نادرة لا
يتقنها إلآ مثل هذه الوحوش التي لاتضاهيها وحوش البراري والغابات والصحارى.
كنا ننتظر هذا اليوم وقد حلّ. كانت الألوف المؤلفة من الكورد الفيليين يجلسون
من صباح هذا اليوم أمام شاشات التلفاز ينتظرون الفضائيات العراقية التي
اعتادت أن تنقل وقائع المحاكمات، كما حصل في القضايا السابقة، من قضية الدجيل
وحتى ما سميت بقضية الأحزاب، والمقصود بها ما تعرض له بالذات حزب الدعوة
الحاكم في العراق من اضطهاد وملاحقة وتصفية. كنا مسمّرين أمام التلفاز نقلب
القنوات كل لحظة دون جدوى!!!!؟ فلم نشاهد ولم نقرأ حتى ولو خبراً صغيراً في
نشرة أخبار أو على الشريط الخبري. ومرّ الوقتُ ثقيلاً فلاذكرٌ جاءَ ولا خبرٌ
مرَّ ولا طيفٌ عبر!
يا ترى هل جرت المحاكمة، أم لا؟
هل قضية الكورد الفيليين بلا أهمية في الاعلام العراقي أيضاَ؟!
هل لأن الفيليين لا يملكون القوة اللازمة التي تخيف أو التي يحتاجها البعض
لدعم أجندته السياسية والانتخابية؟
هل أصبحت السياسة في العراق على المبدأ الذي قاله الشاعر العربي القديم:
إذا لم تكنْ ذئباً على الأرض أجردا؟
أم أنَّ السياسة العراقية وإعلامها وأعلامها تسير وفق مَنْ له ظهير ومن لا
ظهير له؟!
مساكين الفيليون مظلومون حتى من وسائل الاعلام. أغلب الظن لإنهم لا يحسنون
فنَ البيع والشراء في سوق الإعلام أيضاً كما هم في السياسة وصراع الحكم
والسلطة.
إن الفضائية الوحيدة التي قدمت المحاكمة لنا هنا في اوروبا مشكورةً هي
(كوردسات) وفي المساء حيث مللنا الانتظار وغمرت نفوسنا الغصة والألم والغضب
معاً. وقدمت كوردسات مرافعة المدعي العام الذي أبلى بلاءاً رائعاً وأعطى
الفيليين حقهم المعنوي من خلال ذكر وتمجيد وتثبيت تاريخهم ودورهم في بناء
العراق وفي كافة المجالات، وبحماسة شدّتنا شداً واثلجت صدور كلّ مَنْ سمعها
من الكورد الفيليين ومن أمهات وآباء وأخوات وأخوان شهدائهم المغيبين. فتحية
تقدير واجلال من أعماق الكورد الفيليين جميعاً الى المدعي العام المنصف
الشريف صاحب قولة الحق والصدق والحقيقة.
ونستطيع أنْ نقول بأن هذه المرافعة أوجزت باتقان تاريخ الكورد الفيليين لمن
يجهل أو يتجاهل. وقد تصلح أن تكون مرجعاً لمن لا يدري ويبحث عن أن يدري. وهي
صفعة قوية لكل منْ يستهين ويستصغر الفيليين ويحاول النيل منهم ومن تاريخهم
المشرق القديم والأصيل وأثرهم وآثارهم في هذه المنطقة من العالم. وهي لطمة
على وجوه الشوفينيين وردٌ مفعم على ادعاءاتهم بتوضيح وتأكيد الاستاذ المدعي
العام على أنّ الفيليين هم من السكان الأصليين والتاريخيين في العراق
والمنطقة.
وقد نقلتها كذلك مشكورةً قناة الحرية الفضائية التي تبث على النايل سات فحسب،
وياليتها تبث على الهوت برد أيضاً ليتسنى متابعتها للمشاهدين المهتمين. وقد
تابعها الكثيرون على شبكة الانترنيت.
لقد كنا ننتظر الفضائيات العراقية التي اعتادت تقديم المحاكمات الماضية
وأحجمت عن هذه، وخاصة قناة العراقية، وقناة الفيحاء التي هي أكثر منْ يدافع
عن قضية الفيليين وقد قدمت برامج كثيرة في هذا الشأن الانساني الوطني، لكنها
خيبت آمالنا، وفوتتْ علينا فرصة المشاهدة والمتابعة التي طال انتظارها.
فخلّفت في نفوس الألوف حسرةً وغصةً وألماً وعتاباً.
وصحيح أن فضائية العراقية وواحدةً أو اثنتين أخريين مرت بالمحاكمة خبراً
صغيراً عابراً!!
( المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الموقع ) ..
Back
|