الفيليون والبيت بيت أبونه والناس يعاركونه


عبد الستار نورعلي

 

قبل كل انتخابات تجري في العراق بعد الاحتلال وسقوط النظام السابق في 9 نيسان 2003 تحاول القوى السياسية العراقية واحزابها شمالاً وجنوباً أنْ تتقرب من الفيليين، وتتحدث عن مظلوميتهم وقضيتهم وحقوقهم. فتقيم لبعضهم المؤتمرات وتوجه الدعوات وتمنح الأموال والهدايا، وتعِدهم بمواقع ومناصب وانجازات واستعادة حقوق. وبعد ظهور نتائجها يخيب أمل هذا البعض ويشعر بالمرارة والغضب والحنق ليبدأ قسمٌ منهم في التحليل والنقد والتهجم وفق قراءته لأصوات الفيليين واتجاهاتها التي ظهرت بعكس تياره وتوقعاته وأمله.

سبق لنا ان قلنا قبل كل عملية انتخاب جرت بأن لا تتوقع هذه القوى على تباين منطلقاتها وتوجهاتها الكثير مما يأمله وينتظره من جماهير الفيليين في الوسط والجنوب، وذلك خارج الواقع التاريخي الموضوعي المبني على الحقائق الجغرافية والبيئة السكانية الاجتماعية والظروف المحيطة المؤثرة في الفرد والجماعة البشرية. ثم الاستناد في الرؤية والتوقع الى الدراسة والمراقبة المنهجية العلمية للخروج بالرأي حول ظاهرة ما سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، ومنها بناء الحكم الموضوعي على النتيجة المستخلصة. حيث لا يجوز بأي حال من الأحوال الحكم العاطفي الآني والذاتي المتأثر بالمصالح والمواقف الفئوية على مجموعة بشرية خارج إطار الموضوعية، وخاصة للسياسي والكاتب والباحث عن الحقيقة خارج حدود الانحصار في ضيق الأفق والتعصب والعصبية والانفعال.

لم تخرج نتائج انتخابات مجالس المحافظات في العراق التي جرت في 31 يناير 2009 الماضي عن حسابات السابقات لدى المطلعين على الأمور داخل البيت الفيلي في الوسط والجنوب وبغداد بالذات. فأصوات الذين شاركوا منهم بالتأكيد توزعت بين القوى السياسية المشاركة المختلفة بناءاً على المنطلقات والتوجهات المتباينة النابعة عن قناعات خاصة لكل فرد مؤسسة على مواقف فكرية أو عاطفية أو روحية بحسب عمق التأثير للجانب القومي أو المذهبي أو السياسي وحتى المصلحية الذاتية لدى البعض من الفيليين بحثاً عن مناصب أو مواقع أو منافع مادية شخصية.

الفيليون حالهم حال كل العراقيين بمختلف قومياتهم وطوائفهم وأديانهم، فليس كل العرب مثلاً في وجهة واحدة أوموقف ثابت على حزب أو قوة سياسية بعينها، فهم موزعون على جهات وقوى وأحزاب مختلفة وبالعشرات، وكذا الكورد والتركمان والكلدو آشوريين والأرمن والصابئة والأيزيديون والشبك. فهذه مسألة طبيعية في كل شعوب الأرض، والفيليون لا يختلفون في هذا عن غيرهم.

فلا يحق لمَنْ كان ينتظر شيئاً وزخماً من أصواتهم أن يحمل معول النقد والهجوم والتجريح ليضرب بقسوة فيهم. إنما عليه أن يبحث في الأسباب عنده وفي داخل بيته، وهي غير خافية على أحد من الفيليين وحتى منهم ضمن الواعين والمراقبين بدقة وتجرد وموضوعية بعيداً عن التحزب والعصبية القومية والمذهبية.

أما منْ يذهب الى حد التشهير والتجريح والهجوم العنيف وعلى الذين استضافوهم واكرموهم وأغدقوا عليهم العطايا والهدايا والهبات على أنهم يمثلون الفيليين ومع اقتراب كل عملية انتخابات تجري في العراق أملاً في التقرب من الفيليين وعلى أساس تحرك هؤلاء لضمان تأييدهم وموالاتهم، فاتهم أنَّ الذين يستضيفونهم لا يمثلون الفيليين ولم ينتخبوهم كي يذهبوا ليتحدثوا باسمهم، وإنما أختيروا على المزاج والولاء والعلاقات الشخصية. مع احترامنا الكبير للكثيرين منهم، إلا أن الحقيقة يجب أن تقال وينبغي أن تُدرك ويفهما الجميع.

إنّ منْ اسباب تشرذم الفيليين هو تدخل هذه القوى والأحزاب بينهم منْ أجل كسبهم، وتقريب البعض دون الآخر وفق حسابات حزبية او فئوية او مواقف شخصية، ثم العمل على تنظيمهم في جمعيات ومجالس وقوى مختلفة متصارعة، مع أن الهدف والمطالب واحدة معروفة ومطروحة عند الجميع. إلا أن الشد والجذب لدى تلك الأحزاب والقوى هو سبب رئيس في هذا التشرذم.

إنّ من المعيب والمخجل على البعض أنْ يعيّر هؤلاء بأنهم اقاموا في الفنادق الفخمة وضربوا الدجاج والأكلات الدسمة وأقاموا الحفلات ولم يقدموا شيئاً ولم يفلحوا في كسب أصوات الفيليين للذين استضافوهم وللقوائم التي تمثلهم وكان المنتظر منهم أنْ يصوتوا لها.

ما كان الفيليون جائعين جشعين مفترشين العراء وبحاجة الى فنادق فخمة واكلات دسمة وضرب في الدجاج، إنما حاجتهم هو العمل الجاد والمخلص والحقيقي على استعادة حقوقهم وأموالهم وبيوتهم ووثائقهم المصادرة ومعرفة مصير الألوف المؤلفة من شبابهم المغيبين في المقابر الجماعية التي خلفها النظام المباد. وخاصة ان الذين انتظروا منهم الأصوات والتأييد هم مِنْ اصحاب السلطة وصناع القرار وقوى التأثير الكبير على مجريات الأمور في عراق ما بعد الاحتلال.

فما الذي قدموه للفرد الفيلي الفقير والعاطل عن العمل والمقيم في بيت لا يليق بالسكن الانساني؟ وما الذي فعلوه في بذل الجهد والعمل على استرداد المهجرين من الفيليين لحقوقهم المغتصبة منْ أملاك وأموال ووثائق ومعرفة ما جرى لخيرة شبابهم الذين احتجزهم النظام المباد بعد تهجير عوائلهم؟
ما الذي فعلوه؟ وما الذي قدموه؟

وإذن لم تكن الاستضافة لله بالله! ولم تكن حباً بالفيليين، والله!

إن الفيليين هم مِنْ أصحاب البيت العراقي كله. وهم من بُناته الأصلاء والمتفانين والمخلصين والحافظين على ولائه وحبه، قدّموا الغالي والنفيس من الأموال والأرواح والأولاد في سبيله وفي سبيل قضية أمتهم أيضاً، فواجهوا ظلماً واضطهاداً مزدوجاً لم يعانِ مثله طيف عراقيٌ آخر. فمَنْ يقدّمُ لهم شيئاً فهو ليس منةً منه ولا فضلاً، إنه جزءٌ مِنْ حقوقهم ومن أموالهم التي منبعُها خيراتُ وطنهم وشعبهم، هذه الخيرات التي يتمتع بها غيرهم دون وازع ولا حدود ولا قانون.

وصح المثل العراقي القائل:
"البيت بيت أبونه، والناس يعاركونه"!!

عبد الستار نورعلي
السويد
الجمعة 13 يناير 2009

Back