الكورد الفيليون ومثال حلبجة ..

عبد الستار نورعلي
5 / 4 / 2009
صباح أمس السبت الموافق 4 نيسان 2009 أقامت مؤسسة شفق للثقافة والاعلام للكورد الفيليين  و جمعية الكورد الفيليين ومنظمة البيت الكوردي حفلاً استذكارياً في ذكرى مأساة الحملة الكبرى الهمجية بتهجير الكورد الفيليين في العراق عام 1980 وبنفس التاريخ...

وتحت شعار (مزقنا الكفن وتحدينا الفناء والى الحياة نتطلع) . وقد شارك في  المؤتمر عدد من المسؤولين الحكوميين وأعضاء مجلس النواب وممثلي بعض الأحزاب والتيارات السياسية، وجمع غفير من جماهير بغداد فيليين ومكوناتٍ عراقية أخرى.
وقد حضر المؤتمر السيد سعدون فيلي نيابة عن الرئيس جلال الطالباني حيث ألقى كلمةً أشاد فيها بالكورد الفيليين ووطنيتهم المشهودة واخلاصهم للعراق وعدم المساس بسيادته وأمنه، اضافة الى الاشارة لما تعرضوا له من ظلم وتمييز واضطهاد مطالباً باعادة حقوقهم. كما أنه اشار الى وقوف الرئيس الطالباني الى جانب الفيليين في الماضي والحاضر والمستقبل.

لكنه حين وصل في كلمته الى طرح تساؤله:( على من تقع مسؤولية وضع حل نهائي ؟ ) أجاب بأنها تقع على الطرف الأول من المعادلة وهي الحكومة العراقية بوضع الحلول القانونية والدستورية لقضيتهم، وهو قول سديد وصحيح مئة بالمئة. وأما الطرف الثاني من المعادلة برأيه هم الفيليون أنفسهم. فضرب مثلاً:
[ان ابناء مدينة حلبجة تعرضوا ايضا لابشع جريمة ولم يتم تعويضهم لحد الان ولكنهم عادوا الى مدينتهم وبدأوا بناءها وساعدتهم حكومة الاقليم بما اوتيت من امكانيات ولكن اهلها بنوا بسواعدهم (مؤسسة الدفاع عن ضحايا حلبجة) وحرى بالكورد الفيليين ان يقوموا بما قام به ابناء حلبجة فالنخب الفيلية مدعوة لتحمل مسؤوليتها بالتوحد وان يتبلور لديها تصور واضح لما يجب ان تقوم به الحكومة العراقية ويقوم به النواب والاكاديميون .] ـ (موقع شفق الألكتروني 4/4/2009 )
هنا لا ندري كيف أجاز السيد سعدون فيلي لنفسه أن يعقدَ مقارنة بين مأساة حلبجة وقضية الكورد الفيليين! فالمقارنة بين الحالتين غير واردة ولامعقولة ولامقبولة إلا في حالة ضرب المثال على بشاعة الظلم والاضطهاد ووحشية النظام الساقط وخرقه لكل القوانين والشرائع والأعراف والحقوق الإنسانية والمدنية وضعياً وشرعياً وانسانياً.

أما الطلب من الفيليين أن يتشبهوا بأهل حلبجة في اعادة البناء والاعتماد على النفس فلا يفهم منه إلا أنه من باب التقريع واللوم والطعن. لقد نسي السيد سعدون أنّ ظروف وموقع مدينة حلبجة جغرافياً وسياسياً وما تعرضت له تختلف كلياً عن ظروف ووضع الفيليين وما تعرضوا له من تهجير وحجز للآلاف من شبابهم وتغييبهم في السجون ثم المقابر الجماعية بحيث لم يتم حتى اليوم العثور على رفاتهم. اضافة الى مصادرة بيوتهم وممتلكاتهم ووثائقهم العراقية، وهو ما يتباين كلياً عن قضية حلبجة.

إن حلبجة مدينة صغيرة معروفة الحدود والجغرافيا والواقع السياسي المحيط بها، ومن الطبيعي أن يتساند أهلها لإعادة بنائها واستعادة الحياة فيها بعد أن يئسوا من سلطات اقليمهم في مد يد العون اليهم ومساعدتهم وتعويضهم. وكلنا يتذكر مظاهرتهم الغاضبة التي اندلعت في آذار 2006 وفي يوم ذكرى قصف مدينتهم بالأسلحة الكيمياوية ، وذلك تعبيراً عن استيائهم لإهمال مدينتهم وسوء الخدمات المقدمة فيها من قبل سلطات حكومة اقليم كوردستان. وقد تعرض المتظاهرون الى اطلاق رصاص من رجال أمن الاقليم مما أدى الى مقتل أحد الشباب من المتظاهرين وجرح آخرين واعتقال اربعين.

أما الفيليون فهم موزعون على تجمعات سكانية مختلطة الأطياف وفي مناطق عديدة بعيدة عن بعضها داخل بغداد، اضافة الى توزع مناطق سكناهم على مدن كثيرة في وسط العراق وجنوبه. فهل المطلوب منهم وحالتهم هذه أن يتجمعوا ويندفعوا موحدين متعاضدين ليُخرجوا بالتهديد والقوة الذين استولوا على بيوتهم المصادرة المغتصبة من النظام السابق والتي لم يستردوها حتى اليوم؟
وهل عليهم أنْ يتوجهوا الى الدوائر المختصة بجمع موحد ليستعيدوا وثائقهم أيضاً بالقوة والتهديد؟
لأنّ هذه ربما هي الوسيلة الباقية الممكنة بعد يأسهم  من الاجراءات الرسمية غير المجدية والإهمال المتعمد وغير المتعمد والتسويف والمماطلة المملة المتعبة والميؤوس منها في استعادة حقوقهم المغتصبة وهي معروفة وواضحة للجميع!

أما إذا كان المقصود اسداء النصح بأن يتوحدوا وتجتمع كلمتهم وتلتحم صفوفهم من اجل المطالبة بحقوقهم بلسان واحد ومن موقع قوة فكان يمكن في هذه الحالة ضرب مثال آخر، واجراء مقارنة ثانية معقولة ومقبولة وفي محلها، وفيها تشابه بين الحالتين.
وأعتقد هنا أننا يجب أن نطالب الآخرين كذلك بأن يكفوا أيديهم عن التغلغل داخل الجسد الفيلي من أجل مصالح سياسية وحزبية وفئوية ضيقة فيساندون طرفاً دون آخر من القوى والمؤسسات والشخصيات الفيلية. وبذلك يعمّقون الفرقة والتمزق والخلاف بحيث لا يستطيع الفيليون أن يجتمعوا على كلمة سواء مع أن مشكلتهم واحدة وحقوقهم واحدة ومطالبهم وأهدافهم واحدة.

ويسترسل السيد سعدون فيلي في كلمته قائلاً:
 (ولكن في الواقع ان الكورد الفيليين عندما يتحدثون عن قضيتهم يعدون كم لدينا من اعضاء مجلس النواب يمثلون الكورد الفيليين كم من المسؤولين في دوائر الدولة من الكورد الفيليين.. )
وهنا ينزلق الى الطعن والتجريح بالكورد الفيليين بلا أدنى شك ولا شعرة من ريبة ، فهو يتهمهم بأنّ همهم الوحيد هو البحث عن عدد منْ يمثلهم في مجلس النواب ودوائر الدولة الرسمية، ولاهم آخر لديهم ولا معاناة!
ليس من العيب ولا هي مثلبة أنْ يبحثوا عمّن يمثلهم ونسبة عددهم في مجلس النواب، وأن يكون منهم مسؤولون في دوائرالدولة ، فالكل في عراق اليوم يركض لاهثاً وراء كيفية وصوله الى المجلس وعدد من يمثله وكم لديه من مسؤولين رسميين في دوائر ومؤسسات الدولة. والصراعات الدائرة في هذا المجال بين القوى السياسية وغير السياسية والأحزاب والمكونات العرقية والدينية والمذهبية قد بلغت أشُدَّها حتى كادت أنْ تعصف بالعراق عصفاً فتصل به الى الهاوية السحيقة بلا قرار.

فهل يستكثر السيد سعدون فيلي على الفيليين أن يحرصوا على أن يمثلهم عدد من ابنائهم في البرلمان وفي دوائر الدولة ليدافعوا عن حقوقهم أسوة بغيرهم من المكونات العراقية حتى الصغيرة منها؟!

وصحيح ان هناك عدداً منهم أعضاء في مجلس النواب ضمن القوائم المختلفة يدافعون مشكورين وبجهد عالٍ عن مكونهم الفيلي، لكنهم في الأول والأخير يبقون ضمن سياسات وأجندات ومصالح قوائمهم التي جاءت بهم الى المجلس. كما أن هناك البعض من موظفي الدولة ومسؤوليها من الفيليين، وقد تسلم الكثير منهم مناصبهم وفق انتماءاتهم الفئوية السياسية. مع أنّ الفيليين يطمحون الى من يمثلهم من أبناء مكونهم باسمهم كفيليين.

إن كلمة السيد سعدون فيلي في المؤتمر هذا لم تكن موفقة ولا في محلها، وقد أثارت ردود فعل مستاءة وغاضبة وسط الكورد الفيليين ، خاصة أنها صادرة من واحد من أهل الدار ومن ذوي القربى، فكيف بالغريب المعادي؟!
والسؤال المهم الذي نطرحه الآن هو: هل هذا الكلام  هي رسالة الرئيس جلال الطالباني كزعيم للاتحاد الوطني الكوردستاني إلى الفيليين، أم أنه كلام السيد سعدون نفسه؟
لأنَّ أموراً ومواقفَ أخرى تترتب على الاجابة!
لقد كنا ننتظر من السيد سعدون كمسؤول حزبي وسياسي رسمي شارك متحدثاً  عن الذي يمثله، أن يقول كلمة في كيفية ووسائل تقديم مساعدته هو والجهة التي يمثلها وهي الاتحاد الوطني الكوردستاني للكورد الفيليين في استعادة حقوقهم كاملة غير منقوصة كمواطنين عراقيين وكورد أصلاء لا لبس في أصالتهم واخلاصهم وتضحياتهم ومعاناتهم، لا أن نسمع كلاماً جارحاً طاعناً ملقياً اللوم في ماجرى ويجري للفيليين على عاتقهم فحسب.

إنَّ من المفروض على المسؤول الحريص اياً كانت صفته واياً كان موقعه أنْ يعرفَ ما يقول، ويفكر فيما يقول، وفي مناسبة ما يقول، وكيف يقولهُ، وأين يقولهُ، وما تأثيره فيمن يستمع إلى مايقول.
فعلى المرء أنْ يعرفَ أنَّ لكلّ مقام مقالاً.
ولكنْ: ربما وراء الأكمةِ ما وراءها فيما قيلَ!!
والحليم تكفيه الاشارة!
( المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع ) ..

 

Back