لنْ أكتبَ أشعارَ رثاء

 

عبد الستار نورعلي

 

 

لنْ أتحدثَ هذا اليومَ عن الموتِ،

فالموتُ كتابٌ مرسومْ

منْ ايامِ أبينا آدمَ

وقابيلَ وهابيلَ، وحتى اليومْ.

 

لنْ أتحدثَ عن الموتْ

هذي الصورُ وهذي الأسماءْ

تحكي القصةَ بالكاملِ، عنْ موتٍ

كالسيلِ العارمِ  عمَّ الأرجاءْ

عنْ تاريخٍ راحَ، وتاريخٍ جاءْ،

تروي عنْ تلكَ الأنباءْ

عنْ أبناءْ

رسموا خارطةَ التاريخِ فصاروا خيرَ الشهداءْ.

لنْ ابكي

فدموعُ الآباءْ

والأبناءْ

والأخوانْ

جفّتْ

حتى صارَ الدمعُ

روتيناً يومياً.

 

لنْ أكتبَ بعد اليومِ أشعارَ رثاءْ،

لضخامةِ تاريخِ الموتِ وسِجّلِ الشهداءْ

وعواصفِ تلكَ الأنواءْ،

فلقد قلنا وأعدْنا وبكينا ونظمْنا قصائدَ عصماءْ

فأجيبوني!

ماذا جنينا

غيرَ النكرانِ وغيرَ الاقصاءْ؟!

 

الأخوةُ والآباءْ

والأبناءْ

في قافلةٍ ساروا عبرَ الدربِ طويلاً، ماعادوا

لا نعرفُ أينَ الأجداثُ وأينَ الأشلاءْ!

وتقولُ تقاريرُ الأنباءْ:

أنَّ السلطانَ الجائرَ

والذبَّاحَ الماهرَ

وضباعَ الصحراءْ

نصبوا الخيمةَ في بابِ مدينتنا

حدّوا السيفَ وحدّوا الأسنانْ

وأقاموا حفلةَ ذبحٍ لضميرِ الانسانْ.

 

لنْ أكتبَ أشعارَ بكاءْ

فالعرسُ الدامي يتواصلُ منذ الأيامِ الأولى

لحكايةِ هذا الكونِ وتلكَ الأنحاءْ.

 

قالوا: صرختْ امرأةٌ في الأرجاءْ: وامعتصماهْ!

فأقامَ خليفتُهم مجلسَ حربٍ، جمعَ العرّافينَ والشعراءْ

واستلَّ السيفَ من الغمدِ ، وصاحْ:

" سلي الرماحَ العوالي عنْ معالينا

واستشهدي البيضَ هل خابَ الرجا فينا!"

 

جيّشَ جيشاً، لا أولَ في الحشدِ ولا آخرَ، وسارْ

حتى الأسوارْ

فأسقطها.

قالَ الشاعرُ شاعرُهُ أبو تمام:

السيفُ اصدقُ أنباءاً من الكتبِ

في حدِّهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللعبِ

بِيضُ الصفائح لا سودُ الصحائفِ في

متونهـنَّ جـلاءُ الشـكِّ والرِيَـبِ .......

 

صرختْ نسوانُ الحارةِ ثكالى

في بابِ الشيخْ:

يا اللهْ.... يا أللهْ.....!

منْ دونِ جوابْ!!!

 

هل أبكي طويلاً؟

هل أكتبُ أشعارَ رثاءْ

وأدقُّ الأبوابْ؟

 

منْ يفتحُ بابَ الفرجِ لمذبوحٍ

بسيفِ الأخوانْ

قبلَ الأعداءْ؟

 

لنْ أكتبَ أشعارَ رثاءْ،

ملّيتُ، وملّتْ كلُّ الأسماءْ

والأصداءْ!

لنْ أصرخَ بدعاءْ،

أصرخُ بما قالَ الشاعرُ بفلسطينَ :

"اللهُ أصبحَ غائباً ياسيدي

صادرْ إذنْ

حتى بساطَ المسجدِ"

 

أما نحنُ ... فقد صودرَ منا

حتى الثوبَ الساترَ عُريَ الجسدِ

منْ غير جوابْ!!

 

لنْ أكتبَ بعد اليومِ أشعارَ رثاءْ،

أو اشعارَ المدحِ وأشعارَ الفخرِ واشعارَ الشكوى

وأشعارَ الدقِّ على الأبوابْ،

شَعرةُ رأس شهيدٍ واحدْ

منْ أبنائي

تعادلُ كلَّ قصائدَ قد قيلتْ

في تاريخِ الشعرِ وديوانِ الشعراءْ

وشيوخِ الصحراءْ.

 

شعرةُ رأس شهيدٍ واحدْ

غابَ وما عادْ

أعظمُ عندي منْ كلِّ بلادْ

لم تصرخْ في وجهِ الجلادْ

وتسائلهُ:

كيفَ تقيمُ الأعيادْ

في ذبحِ الناسِ رجالاً ونساءاً

وأولادْ

أرضاً ومياهاً، أشجاراً وبلادْ!

 

لا، لنْ أبكي أبداً،

لنْ أكتبَ بعد اليومِ أشعارَ رثاءْ.

قلنا وأعدْنا وصرخْنا وبكينا

وكتبنا قصائدَ عصماءْ

منْ يوم الميلادْ

حتى هذا الزمنِ ونحنُ غريبُ بلادْ!

فأجيبوني!

ماذا جنينا

غيرَ التهميش وغيرَ الاقصاءْ!

قوموا!....

فلْننفضْ عنْ جسدِ الأولادْ

كلَّ رمادْ.

مرّوا...

في أعينهم أحلامٌ، آمالٌ وشبابْ،

مرّوا.......

ها نحنُ نمرُّ وكلُّ الأحفادْ.

هلْ فكّرْنا كيفَ نكونُ

جمعاً وسواءْ

في وجهِ الهجمةِ، في وجهِ الأعداءْ؟

أم نبقى نبكي... ونبكي... ونبكي....

نُنشدُ أشعارَ رثاءْ؟!

 

 

عبد الستار نورعلي

الجمعة 10 نيسان 2009 

 

Back